تبنى فكرة التكافل على ان الانسان بطبيعته كائن أجتماعي ويتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه بأنماط معقدة ومتشعبة من العلاقات الانسانية والاقتصادية والاجتماعية، والتكافل هو سلوك انساني وحضاري وفي هذا الاطار فمن حق الانسان ان يتمتع بمجموعة من الحقوق ومن واجبه أن يؤدي ما يترتب عليه من التزامات وواجبات تجاه الاخرين وهذا التكامل في الحقوق والواجبات يفضي الى بناء اجتماعي يتم من خلاله الحفاظ على المصالح العامة والخاصة في ان معاً.
ولا يقتصر مفهوم التكافل على فئة اجتماعية دون غيرها بل يشمل مختلف مكونات المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والاجتماعية والسياسية، لا بل يمتد الى تكافل انساني تتحد فيه المجتمعات البشرية لضمان مصالحها المشتركة مع الحفاظ على الخصوصية التي تميز هذه المجتمعات، وهذا الوعي بتكامل المجتمعات وضرورة تعاونها ينبع من القناعة بالقيم الانسانية المشتركة التي تجمع ابناء الجنس البشري، لتوجه جهودهم ليس فقط لتحقيق مصالحهم الانية وانما ايضاً للحفاظ على مستقبلهم عبر الحرص على تحقيق تنمية مستدامة تراعي مصالح الاجيال المستقبلية وحقها في العيش ضمن ظروف ملائمة.
ويحتل موضوع التكافل حيزاً واسعاً في التعاليم الدينية خاصة ما يتعلق بضرورة مساعدة الفئات المحتاجة وضمان حصولها على الاحتياجات الاساسية المادية منها والاجتماعية، وبالرغم من أننا هنا لسنا بمعرض تناول هذا الموضوع من النواحي الشرعية.
الا انه لا بد من الاشارة الى ان تعاليم الاسلام السمحة وضعت قواعد وتشريعات للتكافل الاجتماعي ليمثل أحد الحقوق للفئات المستحقة وليس منة من القادرين وذلك بهدف الحفاظ على كرامة الانسان وعلى منعة المجتمع وتماسكه، ومن المؤكد أن فكرة التكافل الاجتماعي لا تقتصر على المساعدة المادية فقط كمساعدة المحتاجين والفقراء لتأمين احتياجاتهم الحياتية وتحسين ظروف معيشتهم – بالرغم من أهمية هذا الامر- وانما تشمل ايضاً جوانب مهمة اخرى مثل المشاركة الوجدانية لمن يعاني من ظرف طاريء وكذلك تخصيص الوقت والمعرفة لبذل النصيحة والتوجية لمن هم بحاجة لها سواءً تعلق ذلك بقضايا شخصية او اقتصادية ومساعدتهم على قضاء حوائجهم.
وهكذا يمكن النظر لمفهوم التكافل الاجتماعي كوسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية ليس فقط عبر توزيع أفضل للثروة المادية ولكن ايضاً عبر اشاعة المعرفة والاستفادة من التجارب وتوزيع المسؤوليات المختلفة وفقاً لامكانيات افراد المجتمع ومواهبهم مما ينعكس بالتالي على حماية المجتمع وتمكين افراده من الاستفادة من الفرص المتاحة بغض النظر عن قدراتهم المادية.
يتمتع المجتمع الاردني بحمد الله بالعديد من المزايا التي تؤكد شيوع قيم التكافل والتازر والتعاون سواءً على مستوى الافراد او الجماعات او على مستوى الدولة، ومن أمثلة ذلك الضمان الاجتماعي الذي يمثل أوسع شبكة من التكافل بين أفراد المجتمع العامل.
ولا ننسى أيضاً ما تخصصه الحكومة في الموازنة العامة لشبكة الامان الاجتماعي التي تدعم الفئات الهشة في المجتمع وكذلك صندوق الزكاة وما يقدمه من مساعدات للأسر الفقيرة والمحتاجة، وكلنا يذكر المبادرة الملكية فيما يتعلق بالغارمات ومساهمة العديد من الجهات في انجاحها، ومن المعلوم ان هناك ايضاً المئات من الجمعيات الخيرية التي تقدم الدعم والمساندة للمحتاجين من ابناء الوطن.
ناهيك عن المبادرات الفردية المكرسة لخدمة المواطنين وتلبية احتياجاتهم، ومن الواضح ان هذه المبادرات والامثلة تشكل اساساً لمتانة المجتمع وتلبية حاجة افراده والتخفيف من اعبائهم والحفاظ على كرامة المواطن وتعزيز شعوره بالانتماء لوطنه ومجتمعه، أضافة لذلك هناك مبادرات مجتمعية ومؤسسات تعمل في مجال التدريب والارشاد وهذه بدورها تساعد في تمكين الافراد من الحصول على عمل او البدء في مشاريعهم الخاصة مما يعزز النمو ويولد فرص عمل.
الا ان هذا لا يعني تحلل الدولة من مسؤوليتها تجاه المواطنين من خلال توفير الظروف الملائمة لحصولهم على فرص العمل فهي مسؤولة عن ذلك عبر سياساتها المالية والاقتصادية والاستثمارية، كما ان مسؤوليتها تشمل ايضاً ازالة العوائق والمصاعب التي قد تحول دون اشاعة روح التكافل والتعاضد، يضاف لذلك العمل على تنظيم مبادرات التكافل الفردية والمجتمعية لتحقيق أفضل النتائج وتوجيهها وفقاً لاحتياجات المجتمع وبما يحقق المصلحة العامة.
وخلال الازمة الحالية اتضح المعدن الاصيل للمجتمع الاردني بمختلف فئاته وكيف تكاتفت مختلف الفعاليات الرسمية والشعبية لتحقيق التكافل الاجتماعي، فلم يبخل المواطنون ورجال الاعمال والشركات المختلفة عن التبرع لحساب وزارة الصحة الذي يتيح تقديم العون وتأمين المستلزمات لمكافحة الوباء.
كما ان صندوق همة وطن المخصص لمن انقطعت مصادر رزقهم تلقى ايضاً تبرعات سخية من مختلف المؤسسات ومن عدد كبير من الافراد، وأثبتت الكثير من الشركات انها ملتزمة بمسؤوليتها الاجتماعية وانها لا تألُ جهداً في القيام بهذه المسؤولية على أكمل وجه، كما اتضحت ايضاً أهمية الضمان الاجتماعي ودوره في تأمين رواتب للعاملين الذين توقفت مؤسساتهم عن العمل ، وكذلك قام صندوق المعونة الوطنية بدور بارز في تأمين احتياجات الاسر الفقيرة وتزويدهم باحتياجاتهم الاساسية وساهمت بذلك ايضاً العديد من الجمعيات الخيرية مثل تكية ام على والهيئة الخيرية الهاشمية وغيرها من الجهات.
يشمل التكافل ،كما أشرنا، جوانب متعددة وأقتصادياً يظهر ذلك من خلال تعاون مختلف فئات المجتمع في الحرص على المقدرات الاقتصادية وصيانتها من العبث والفساد وضمان استخدام الموارد بما يعود على الوطن والمواطنين بأفضل النتائج، وايضاً بما يتيح حصول المواطنين على الاحتياجات الاساسية والضرورية لحياتهم ويدخل في هذا الاطار الحق في التعليم والرعاية الصحية، والاثار الاقتصادية للتكافل وان كانت في اطارها العام تنعكس على تنمية بشرية تساهم في التنمية الاقتصادية .
الا ان الاثر المباشر المتمثل في اعادة توزيع الدخل للفئات الفقيرة يؤدي الى زيادة الاستهلاك، فمن المعلوم ان الميل الحدي للاستهلاك لهذه الشريحة هو الاعلى، وهذا يعني زيادة الطلب على السلع الاساسية والتي غالباً ما يتم انتاجها محلياً والنتيجة الطبيعية لهذا الامر هي تشجيع أصحاب العمل والمستثمرين على التوسع في الانتاج ، والذي يمثل المحفز الاساس للنمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل ، وبالتالي أرتفاع مستوى الدخل والمساهمة في القضاء على الفقر والبطالة.
وفي هذه الحالة فنحن امام بداية حقيقية لانتعاش اقتصادي يشمل مختلف أطياف المجتمع ، بمعنى اخر ومن خلال نشر قيم التكافل الاجتماعي فنحن ايضاً نساهم في التصدي للتحديات الاقتصادية التي نعانى منها. هذا من جانب ومن جانب اخر فان سبر جوانب اخرى للتكافل يمكن ان يكون لها اثار اقتصادية اعمق ، فمثلاً يمكن من خلال الاهتمام بأنشطة التأهيل والتدريب ان نساهم في انتشال بعض الاسر من حلقة الفقر، كما يمكن ان تساهم في توفير التعليم للطلبة غير المقتدرين، وهنا لا بد ان نشير الى ان الوقف يشكل اساساً للعديد من الجامعات العالمية المرموقة ، ويؤمل ان يتم الالتفات الى هذا الجانب في الوقفيات التي تتم داخل المملكة .
ومن المعروف تاريخيا أن مختبر أشهر الكيميائيين العرب جابر بن حيان تم انشاؤه من خلال الوقف، كما يمكن ايضاً ان يكون لفكر التكافل الاجتماعي دور كبير في تشجيع المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغير وهذه يمكن ان تحل مشاكل عديدة يعاني منها المجتمع.
من المهم ان نضع فكرة التكافل الاجتماعي كأحدى الاستراتيجيات التي يمكنها المساهمة في تطور المجتمع ونهضته الاجتماعية والاقتصادية، لذلك فان قيام المؤسسات ذات العلاقة بتبني خطة عمل واضحة يمكن ان يشكل نقلة نوعية في جهود التكافل ليصبح صفة ملازمة لمجتمعنا الاردني ومن خلالها يمكن انجاز العديد من المشاريع في مختلف المجالات فتطور المجتمعات ونموها ورفع مستوى معيشتها والارتقاء بقيمها الانسانية يحتاج لمؤسسية تنضوي في اطارها الجهود الفردية وتتكامل خدمة للاهداف السامية التي نسعى لتحقيقها.
وبهذا الخصوص لا بد من التنويه بأهمية الاستفادة من الخبرات المتنوعة التي يزخر بها قطاع العمل التطوعي والتي ان أحسنا الاستفادة منها يمكن ان تشكل داعماً ورديفاً لعمل المؤسسات الرسمية وان تخفف الاعباء عنها.
04-أيار-2020 17:38 م